مناهجنا التعليمية بين التطوير والتغيير

يعتبر المنهج بمفهومه الحديث خطة مكتوبة ومعتمدة للتعلم والتعليم وهو يمثل جميع الخبرات التي تقدمها المدرسة للتلاميذ سواء كان ذلك داخل الفصل أم خارجه أو كان داخل المدرسة أم خارجها مادام تحت إشراف المدرسة وبتوجيه منها، وبذلك فإن المنهج لا يعني الكتاب المدرسي كما يظن كثيرا من الناس.



والاهتمام بالمنهج وتطويره حظي بكثير من العناية والاهتمام في كثير من دول العالم بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية رائدة الحضارة وحاملة لواء العولمة في عصرنا الحاضر وما ذلك الا لأهمية الدور الذي يقوم به في تشكيل شخصية الناشئة في جميع جوانب النمو المختلفة العقلية والجسمية والنفسية والاجتماعية، الأمر الذي يساعد في تكيفهم مع واقعهم المعاصر ويعدهم للمستقبل بكل متغيراته المحتملة.



إن ما تتناقله وتنشره وسائل الإعلام الأمريكية من ضرورة تغيير المناهج الدراسية في المملكة العربية السعودية ومصر وبعض الدول العربية والإسلامية كلمة حق يراد بها باطل فتغيير المناهج أو تبديلها صحيح بغية التطوير ومسايرة المستحدثات الحضارية والعلمية المعاصرة ولكن ليس كل تغيير بالضرورة يؤدي إلى تطوير، إننا كأمة إسلامية ينبغي أن نحافظ على هويتنا وان تكون لنا شخصيتنا المستقلة وان نعرف بالضبط ماذا نريد وما نوعية الناتج البشري الذي نطمح إليه. وهذه هي تجارب الدول من حولنا فاليابان وألمانيا استشعرتا أهمية إصلاح نظامهما التعليمي بعد الحرب العالمية الثانية فتغير وضعهما من حال إلى حال، كما إن أمريكا نفسها استشعرت نفس الخطر المحدق بنظامها التعليمي فوجه وزير التربية في الولايات المتحدة(تيرل بل Terrel Bell) في أغسطس 1981م بتشكيل لجنة من ثمانية عشر عضواً لدراسة نظام التعليم في الولايات المتحدة وتقديم مقترحات لإصلاحه بهدف الرفع من مستوى التعليم لديهم، وقد قامت اللجنة بدراسة العديد من التقارير والبحوث حول تقويم التعليم وخلصت في أبريل 1983م بإصدار تقرير موجه إلى الشعب الأمريكي تحت عنوان (أمة في مواجهة الخطر) جاء فيه أن هناك اتجاهاً نحو التحصيل الأقل جودة وقبول مستويات متدنية من أداء الطلاب الأمر الذي ينذر ويهدد الشعب الأمريكي بفقد مكانته العلمية والاقتصادية وأيضا ثقافته وقيمه الاجتماعية. فأمريكا نفسه حريصة كل الحرص على أهمية المحافظة على ثقافتها وقيمها الاجتماعية، لا بل إنها تعتبر انه لو قامت قوة معادية بفرض أداء تعليمي قليل الجودة على الشعب الأمريكي لكان ذلك مدعاة للحرب!! (1) فإذا كان الحال كذلك فانه من الأولى لها أن تدع للآخرين حقهم في اختيار ما يناسبهم من تعليم يتماشى مع ثقافتهم وقيمهم ومعتقداتهم.



إن هذا الاهتمام الذي توليه الدول المتقدمة بنظامها التعليمي يجب أن يكون لنا درساً نستفيد منه كدول نامية في عالمنا العربي بحيث لا نتنازل عن مبادئنا ومعتقداتنا وما نراه في صالح امتنا. والحقيقة إن لنا في ذلك تجربة فبعد هزيمة 1967م شعر المسؤولون في وزارات التربية والتعليم في العالم العربي بأهمية مراجعة النظام التعليمي فعقد وزراء التربية والتعليم مؤتمرهم الثالث في فبراير 1968م في الكويت وخلصوا إلى أهمية تعميق التربية الروحية والخلقية والتربية العسكرية العملية لترسيخ الإيمان وروح الجهاد والتضحية والبذل والفداء وجعل الاستشهاد في سبيل الله دفاعاً عن الوطن والأمة أغلى وأعز الغايات وقد كان من أهم توصيات المؤتمر مايلي:-

1. ضرورة بناء فلسفة التربية والتعليم في الوطن العربي على الإيمان بالله والمثل العليا للامة العربية، وان يكون هذا الإيمان مصدراً للسلوك العام والخاص للفرد والمجتمع.

2. تطوير مناهج وكتب التربية الدينية والتربية الوطنية تطويراً يحقق غرس هذه القيم في نفوس الناشئة.

3. الاهتمام بمادة التربية الدينية واعتبارها مادة أساسية.

4. التنسيق الفعال بين أجهزة التوجيه المختلفة في المجتمع من تربية وإذاعة ومؤسسات رعاية الشباب والأندية الاجتماعية، بحيث تتعاون جميعاً في إيجاد جيل مؤمن بالله واع مستنير يقدر المسؤولية ويكون على مستوى الأحداث الجارية في العالم العربي (2)



وفي السياق نفسه فإننا أيضا في المملكة العربية السعودية لم نالوا جهداً في تطوير مناهجنا التعليمية منذ إنشاء التطوير التربوي في تطوير المناهج وقد كان إنشاء الأسر الوطنية من ابرز علامات التطوير ثم جاءت اللجنة العليا للبرامج والمناهج ثم لجنة استراتيجية تطوير المناهج عام 1419/1420هـ والمتمثلة في المشروع الشامل لتطوير المناهج، وعليه فان العمل على تطوير مناهجنا يسبق الدعوات الحالية في الإعلام الأمريكي وبسنوات مضت.



يذكر مدير الإدارة العامة للمناهج بوزارة المعارف إن مشروع التطوير الشامل لمناهج التعليم يعد في هذا الوقت ضرورة ملحة في ظل التطورات العالمية الهائلة والمتسارعة حتى نستطيع أن نحافظ على أصالتنا وقيمنا وخصوصيتنا الإسلامية وإلا ضاعت هويتنا ووجدنا أنفسنا خلف الركب. إن هذا المشروع الشامل لتطوير مناهج التعليم بالمملكة العربية السعودية يستند إلى سياسة تعليمية واضحة تقوم على أسس من الدين الإسلامي الحنيف وثوابت العقيدة والأصالة المستمدة من تاريخنا وتراثنا وثقافتنا العربية الأصيلة، وقد جاء هذا المشروع مستفيداً من تجارب الآخرين ومن الأبحاث والدراسات التربوية المعاصرة ومتمشياً مع تعاليم الدين الإسلامي ومحققاً للأهداف التربوية وملبياً لاحتياجاتنا المحلية ومتطلبات خطط التنمية(3)

جاء في نشرة لمركز التطوير التربوي بوزارة المعارف إن مشروع تطوير المناهج يتكون من المراحل التالية:-

1. مرحلة دراسة الواقع وتحديد أسس ومعايير التطوير.

2. مرحلة إعداد وثيقة المنهج وتشمل صياغة الأهداف والمحتوى والوسائل وأساليب التقويم والأنشطة التعليمية والمواصفات الفنية لكتاب الطالب ودليل المعلم.

3. مرحلة إعداد المواد التعليمية وتشمل تأليف الكتب المدرسية وأدلة المعلمين لجميع المواد الدراسية.

4. مرحلة التجريب وتشمل تجريب الكتب المدرسية على عينة عشوائية من المدارس وتعديل الكتب في ضوء نتائج التجريب واعتمادها للطباعة.

5. مرحلة التصميم وتشمل تصميم الكتاب المدرسي وطباعته وتوزيعه.

6. مرحلة التقويم والمتابعة.

وقد تشرفت بالمشاركة في العمل ورئاسة أحد هذه اللجان وهي مرحلة تحكيم وثيقة المنهج لإحدى المواد الدراسية، وأظن إن المشروع الآن يمر في مرحلة تأليف الكتب الدراسية وأدلة المعلمين وكتب النشاط ومن المعلوم فان حجم العمل كبير جداً وقد يستغرق وقتاً طويلاً فهناك عدد (12) وثيقة منهج، (284) كتاباً للطالب، (60) كتاباً للمعلم، (4) كتب للنشاط، (6) كتب للتمارين وَ (6) مجموعات من البطاقات والملصقات(3)

نرجو الله أن يوفق القائمين عليه واللجان العاملة فيه الإخلاص في العمل والسداد في الرأي حتى يحقق المشروع الأهداف المرجوة منه إن شاء الله تعالى.

------------------------------------------

1) ادوارد بيوشامب، دراسة مقارنة عن التعليم الياباني والتعليم الأمريكي. دار المعرفة للتنمية البشرية 1420هـ.

2) د.عجيل النشمي، كتاب طريق البناء التربوي الإسلامي. دار الدعوة 1409هـ.

3) انظر المشروع الشامل لتطوير مناهج التعليم في المملكة العربية السعودية. نشرة من مركز التطوير التربوي بوزارة المعارف.